نوروز

 

Newroz

انعطافات هامة في حياة الأيزيديين

تكفير الأيزيدية أمر شائع لدى قطاعات واسعة من الناس، بسبب ما يشاع عن معتقداتهم التي لاحقتها تهم التشكيك والتكفير منذ القدم

جورج كتن

آذار 2005

موقع نوروز 24/3/2005 

تعرضت المكونات المختلفة القومية والدينية والمذهبية العراقية لاضطهاد شبه مستمر خلال العهود المختلفة التي مرت بالعراق، وإذا كان أبرزها ما تعرض له الشعب الكردي، فإن طيف واسع من تركمان وكلدان وآشوريين وأيزيديين وفيليين وغيرهم... عانى أيضاً إلى جانب الكرد.

ومن بين أكثرهم معاناة الطائفة الايزيدية التي تعرضت لاضطهاد مزدوج بسبب معتقداتها الدينية من جهة ولانتماء الايزيديين إلى القومية الكردية. فقد تعرضوا لعشرات حملات الإبادة في العهد العثماني، حيث لم يبق سلطان أو والٍ لم يجرد عليهم حملة لقتل رجالهم وسبي نسائهم ونهب وتدمير ممتلكاتهم وأماكن عباداتهم بالاستناد إلى فتاوى جائرة تكفرهم. وكانت آخر الحملات الظالمة في العهد الصدامي منذ العام 1969، لترحيلهم من قراهم قرب الحدود السورية ومصادرة أراضيهم، ثم ليطال الترحيل أكثر من 150 قرية أواسط السبعينيات حيث صودرت آلاف المنازل وأسكن فيها عشائر عربية ونفي أهلها إلى مجمعات سكنية أشبه بمعسكرات الاعتقال لها مدخل واحد للتفتيش. ولم يسلم الأيزيديون من حملة الأنفال الدموية إذ قتل منهم الآلاف، وحملات التعريب ومسح قرى بكاملها.

لكنه حتى بعد انهيار النظام البائد لم تتوقف معاناة الأيزيدية، إذ أصبح أفرادها أهدافاً مفضلة للإرهاب السلفي الزرقاوي المسمى "مقاومة"، فهم يقتلون على الهوية وخاصة في الموصل، دون أن يكونوا من أفراد الشرطة أو الحرس الوطني أو يعملوا لدى القوات المتعددة الجنسية، فقد ذبح عشرات من العمال على مرأى من الناس، مع ترك ورقة على جثة المقتول تقول "لأنه كافر"، وتوزيع نشرات: " إن قاتل الأيزيدي يكافأ عند الله عشرة أضعاف قاتل الأميركي".

تكفير الأيزيدية أمر شائع لدى قطاعات واسعة من الناس، بسبب ما يشاع عن معتقداتهم التي لاحقتها تهم التشكيك والتكفير منذ القدم، روج لها بعض رجال الدين المفترين حول عبادتهم للشيطان، أو تبعيتهم المزعومة ليزيد بن معاوية وانشقاقهم عن الإسلام ومشاركتهم الملفقة بقتل الإمام الحسين في كربلاء!...الخ، إلا أن الحقيقة أن الأيزيدية ديانة توحيدية قائمة بذاتها تؤمن بالله والأنبياء، وهي غير الزرادشتية، بل إحدى أقدم الديانات الشرقية، وتعود في أصولها للسومرية والبابلية، وهي شبه الوحيدة المحتفظة بطقوسها منذ آلاف السنين. وهي لا تمت ليزيد بن معاوية بصلة، فكلمة "أيزي" تعني "الخالق" أو "الروح الخالدة" وحرف الدال للتنسيب مثل حرف الياء في العربية، و"أيزدان" في اللغة الكردية هي "من يعبدون الله".

تطورت هذه الديانة خلال آلاف السنين وساهم بتجديدها الشيخ الصوفي "عدي بن مسافر" المتوفى عام 585 هجري، والذي يعتقد الأيزيدية أنه عرج إلى السماء، ومن أدعيتهم: آمين آمين تبارك الدين الله أحسن الخالقين. وهم يحللون تعدد الزوجات وشرب الخمور وعطلتهم الأسبوعية يوم الأربعاء، ولديهم أعيادهم الخاصة: رأس السنة أول أربعاء من شهر نيسان الشرقي، وعيد الجماعية يحجون فيه إلى منطقة لالش حيث المكان المقدس قبر الشيخ عدي، ويتشاركون مع المسلمين والمسيحيين في عيد الخضر الذي يدعى لديهم عيد "خدر الياس"، ومعتقداتهم غالبيتها شفهية، وهناك محاولات لجمعها في كتاب مقدس يمكن الحلف عليه.

يسكن غالبية الأيزيديين، ويقدر عددهم ب700 ألف- أي 8% من الشعب الكردي و2% من شعب العراق- في محافظة الموصل (نينوى) في منطقة جبل سنجار و قضائي بعشيقة والشيخان. وهناك عشرات الآلاف في سوريا وتركيا ومئات الألوف في المهجر وخاصة في ألمانيا وروسيا وأرمينيا. وهناك قلة من الأيزيدية ترى أنهم ليسوا بكرد أو عرب بل هم شعب أصيل له هويته المتميزة بالتراث والدين والطقوس والموسيقى والتقاليد الاجتماعية والأخلاقية...، إلا أن الغالبية تعتز بانتمائها الكردي مع التمسك بالخصوصية الدينية الايزيدية، وهم يطالبون بضم بلداتهم إلى إقليم كردستان، رغم أن البعض لا يتكلم سوى العربية.

قيام إقليم كردستان بعد انتفاضة آذار 1991، يعد انعطافة كبرى في حياة الأيزيدية، رغم أن معظمهم ظل تحت هيمنة النظام الصدامي في محافظة الموصل، فالسلطة التي حكمت الإقليم حققت للأيزيدية:

- الاعتراف بهم كديانة توحيدية، وبحرية ممارسة شعائرهم الدينية ونقلها بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

- تدريس مادة ديانة أيزيدية في المدارس التي يتواجد فيها أغلبية من الطلاب الأيزيديين.

- إزالة آثار التعريب من القرى والأراضي الزراعية الايزيدية وإعادتها لأصحابها.

- تعيين وزراء وقضاة ومدراء وانتخاب نواب يمثلون الايزيديين في مؤسسات وأجهزة إقليم كردستان.

- ترميم الأماكن المقدسة ضمن الإمكانيات التي توفرت.

- تأسيس مركز لالش الثقافي في دهوك عام 1993 لإحياء التراث والثقافة والتعريف بها وتدوينها لأول مرة، وإصدار مجلة متخصصة في الدراسات حول الأيزيدية.

الانعطافة الأخرى في حياة الأيزيدية –وكل العراق-، سقوط النظام الصدامي، التي يأمل الأيزيديون أن تكون فاتحة لرفع الاضطهاد نهائياً عن كاهلهم، فقد تمت الموافقة على نشر تدريس الأيزيدية في المناطق التي يقطنونها خارج إقليم كردستان، كما انبثقت عدة مراكز وروابط وتجمعات أيزيدية ثقافية وأهلية، وكيانات سياسية منها: "الحركة الايزيدية من أجل الإصلاح والتقدم" و"التجمع الديمقراطي الأيزيدي"، رغم أن أعداداً كبيرة من الأيزيديين أعضاء في الحزبين الكرديين الرئيسيين، اللذين ضمنا قائمة "التحالف الكردي" عدد من أعضائهم الأيزيديين أكثر من أية قائمة عراقية أخرى، وقد أدرج التحالف في برنامجه الانتخابي: "إقرار الحقوق القومية والسياسية والثقافية والدينية للتركمان والشعب الآشوري الكلداني السرياني والأرمن والأيزيديين...".

إنها البداية، فما زال أمام الأيزيديين ما يجب تحقيقه في ظل النظام الديمقراطي الفيدرالي الجديد:

- وضع حد للعنف الإرهابي الأصولي الذي يتعرضون له مع كافة مكونات الشعب العراقي، ودفن الشوفينية وسياسات التكفير..

- حسم قضية حرية العقيدة للأيزيديين وتثبيتها بالاسم في دستور علماني دائم يقر بالتنوع القومي والديني والمذهبي، وإقرار قوانين رادعة ضد أي مس بالحريات الدينية في العراق أو التمييز في المعاملة بين الأديان أو أي حض على تكفير الآخر أو التشكيك بمعتقداته الخاصة.

- إزالة آثار الترحيل والتعريب وإعادة القرى والممتلكات ودفع تعويضات للمتضررين.

- تدريس تاريخ الأيزيدية في المناهج الدراسية دون تشويه أو تزوير.

- إعمار مناطق الأيزيدية المخربة والمهملة وخاصة في البنى التحتية: الكهرباء والماء والهاتف والطرقات والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، والاهتمام بتسويق منتجاتهم الزراعية.

- تقديم مشروع قانون للأحوال الشخصية الأيزيدية –مسودته موجودة أعدها الأيزيديون بأنفسهم- للمجلس التشريعي الكردستاني، ثم إقراره مركزياً.

- التمثيل العادل للأيزيديين في المؤسسات المنتخبة والإدارية المحلية والفيدرالية والمركزية....

كل ذاك وغيره ضمن حلم مجتمع ديمقراطي انتهت فيه هيمنة قومية ومذهب على القوميات والمذاهب الأخرى، قائم على التساوي والتآخي والتعايش والتسامح والتوافق والعمل المشترك لمصلحة الوطن العراقي.

 

عودة